Sunday, April 18, 2010

لحظة الزفرة الأخيرة

مجرداً من الأحاسيس كان يومها، عارياً من كل دلالات العاطفة، جلس يحزم حقائب ملأها ذكرياتٍ وأسفاً، كثرت فيها الخيبة حتى اضطر لوضع بعض من أسماله البالية ليستر فداحتها. اجتر يومها أواخر تلك الأفكار التي ما فتئ يقاتل مستميتا في سبيل الدفاع عنها، لفظها ليطهر نفسه من تهمة الإرهاب؛ من فكرة طائشة قد تنذر أجهزة كشف المعادن والضمائر التي انتشرت في المطارات والمهاجر. لم تكن هنالك حرقة في القلب أو مرارة في الحلق. حاول جاهداً عزل رأسه عما كانت ترتكبه أطرافه. كانت تلك آخر ليلة يسمع فيها الأذان و السلام و دعاء الحاجة صفية جارته العجوز؛ هي آخر ليلة ينام فيها على الأرض التي أحب و كره. تلك كانت أواخر ساعاته في الوطن الذي لم يعد يعرفه، وكان ذلك مونولوجا ختامياً أداه على مسرح كبير ضاق عليه رغم وسعه و امتلأت دونه مقاعده.

لم يكن يدري من الذي بادر بخيانة الآخر. أكان هو العاق الذي ترك البيت و الأرض قبل أن يترك المهد. أم كان ظلم التراب الذي حرمه الحليب و الضحك و حق الحياة مبرراً وافياً؛ أكان كل هذا عذرا يستميح به ضميره؟ أكانت تلك هجرة أم تهجيرا؟ أكانت لعنة أم رحمة؟ جل ما كان يعرفه أن ذاك الوطن الذي زرعه أجداده لحماً و دماً لفظه تفلة على أحذية الغرباء. وقتها كان الخبز في الوطن غاليا؛ و الملح و اللحم غاليا و كان هو الرخيص، العيش كان عليه محرما و حرمته كانت يومها مشاع. لم يرتكب وقتها انقلاباً ولا طلب يومها حروباً لكنه وجد في جعبته فاتورة الكرامة التي ما حصلها؛ ووصل أمانة بحريةٍ لم يكن قد رهنها. مركولاً بأرجل التقدمية و شعارات القومية خرج. مهاناً جلس يتسول العلم و الطعام على أرصفة النفطيين. بين الأحذية و تحت الأثواب الحريرية جلس يحتمي حر الصيف و لوعة الغربة. كانت صورة عوراتهم هي سماءه و بقايا مرق ذبائحهم و أنابيب نفطهم هي البحر المطل من شرفته. الفقر في الوطن غربة و الغنى في الغربة وطن. فماذا عن الفقر في الغربة؟ فقر الكرامة و الهوية.

ها هو اليوم يدخل بوتقة العالم الحديث لتتلاشى أحلامه و أقلامه و مقالاته العبثية؛ لتنصهر ممانعته في طاسة الحياة الصناعية ؛ لتحول جسده و عقله إلى بطارية أخرى تغذي عجلات التقدم و آليات القتل باسم الديموقراطية. و ينتهي كأمثاله دابةً أخرى تدير الرحى التي تطحن مستقبل البشرية. فوداعاً للأحلام ووداعاً لهذيان الثورية.

من فوق المحيط الأطلسي (بحر الظلمات)
في ليلة ليلاء

يا ليل ما أطولك

يا ليل ما أطولك

يوم عن يوم
عدد البشر عم يكبر
متلو متل الإحساس بالوحدة
بيجوز الأعداد عم تزيد
لكن التعاطي أكيد عم يقل
بروح عالشغل كل يوم
وجوه لساتا عم تدور على الصحوة بكاسات القهوة
ملت الابتسام و ما عادت تذكر كلمة صباح الخير



بيكمل صباحك بوجوه اجسام موصولة على ماكينات
وحدة للتنفس
التانية للأكل
و تالتة بدل الكلاوي
والرابعة لتخليك مطرمخ و مدفوس
تعاطيك بيكون مع كبسات مضواية على تابلو كهربا
على تخت متجهم و قالب خلقتو
و كل تخت فيهن حاوي قصة موت عم تتأخر
عم تستنى سحبة فيش
ما عاد للمشاعر الإنسانية مكان بغرف العناية المركزة
صار فيني أقعد بنص القسم عم آكل بوظة
بدون أدنى اهتمام لقصص المآسي اللي حواليي

هادا عمرو 45 سنة
ما بعرف شو عامل و شو دارس
ولا كام ولد برقبتو
كل اللي بعرفو إنو قبل اسبوع كان ماشي بالشارع متلي و متل ملايين غيرنا
واليوم هو موصول بالنباريج والأسلاك
عم يدور عالحياة من علبة تنك
لانو ميت و لانو عايش
حالة جديدة من التعذيب قدرنا نخلقها نحنا البشر، ما بعرف ليش و كرمال مين


كل يوم بشوفو
أو بالواقع بشوف الماكينة الي جنبو
-كيفك اليوم استاذ؟
= تيت.....تيت....
- نمت منيح مبارح؟
= تيت.....تيت....
- شلون حاسس هلا؟
= تيت.....تيت....
- لا شر عليك انشالله
= تييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي ت.................

خلص يوم تاني
و صار وقت الرجعة
والرجعة بدها بنزين
وبالكازية في هالماكينة الكبيرة
شغلة حضارية متل ما بيوصفوها
بتحط الكرت
تك تك
بتعبي بنزين
تك، خلصت لحالك
يا سلاااااااااااام

خلص مخزوني الاستراتيجي من العصير و البسكوت
صار لازم روحة عالسوبرماركت.
و ماكينة تانية فل أوتوماتيك
بتحاسبك عالأغراض
دون أي تدخل بشري
و تك تك.. تك تك تك.......
بعد عشا متواضع
من مطبخي الضايج
صار وقت الترفيه
و بما إنو الرفق انطلقوا بلايي
و بما انو تأخر الوقت أصلا
و خير جليس في هذا الزمان انترنت
صحبة أليفة مع ماكينة تانية
عم حاول لاقي أية إشارة حياة
بس الساعة12 نص ليل
التوقيت بسوريا 7 بكير
ميات الملايين سهرانين معي عالنت
كلنا سهرانين مع بعض
و كلنا سهرانين لحالنا

آاااااااااااااااه
شو مشتهي احكي
احكي بلساني
بدون من نقور على قطعة بلاستيك
بدون ما يكون الجواب فيه تيك أو توت
مشتهي شم ريحة تم
شوف بزئة طايرة من "فــ" شي حدا
اسمع صوت ضحك
ضحك ولو مصطنع
بس مافيو ههههههههه ولا لوووووووول
مشتهي فنجان القهوة تبعي ما يضل لحالو
والكنبية التانية تكون أدفى وعم تتحرك
مشتهي بطل اطلع بالمراية لشوف شخص تاني
بس يمكن تأخرت
يمكن خلص هداك الوقت
وهادا زمان جديد
زمان ال" تك تك"
وما بقي إلا إستنى جنية القمر
هاي اللي بتجي بالليل و مع اليأس
اليأس وصل لآخرو

بس الليل لسا بأولو
ويا ليلي ما أطولك......